بسم الله الرحمن الرحيم
احببت ان اطرح عليكم احد المقالات التى لفتت انتباهى وهى مقاله بعنوان العمود فى العمارة وهيا مقاله للباحث الدكتور على ثوينى استاذى ومعلمى وهوه باحث فى جامعة استوكهولم فى السويد اليكم المقال وارجو ان ينول اعجابكم وهوه ملخص سريع بمضمون المقال والذى نشر فى صحيفه اركيتكتشيرماجزين الانجليزية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رفع "العمود" هامة الدار والخيمة والمسجد والكنيسة والمعبد والهيكل وأصبح عنصرا أساسيا من عناصر العمارة. و ترادف رمزه مع معجزات الله كما في سورة لقمان(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ) ، وأكتسب أسم العمود إيحاءات في السند والإعتماد،ونعت به المعتمد والعمده والعميد .وتواشج الغلو في حجومه رمزيا مع الطغيان كما في الذكر الحكيم من سورة ص(وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ). والعمود هو نفسُهُ الذي وجد في أعمدة الشعر و تسلل إلى أهازيج الشكوى واللوعة، أو أنتحب عن ألم أوإمتثل لسطوة الموت أو أنشرح متألقا،أو متناغما على إيقاع الكفوف والطبول إبتهاجا. وأنتقل إلى الحداثة الشعرية، حيث يستلقي خلال القصيدة العمودية متثائبا بين السطور أو ممزقا أسفل الكلمات.
وهناك إعتقاد ساذج،راسخ للعامة بأن الشياطين تعيش ، وتفرخ بين أعمدة الخشب في البيوت العتيقة، حيث تشكل تلك الأعمدة مساند سقوفها، أو بين أعقاب النبات والحطب حيث يخزنان، أو في المغاور، والشعاب، والأكواخ المهجورة، وفي بقايا جدران إرم ذات العماد، التي غضب الله على أهلها فهلك من هلك وهجرها من مكث، أو في خرائب بابل، التي هجرها بعد الخراب، من سكن تحت الأعمدة.
والعمود في العمارة أحد العناصر الراسية لذروة البناء كما(العمود الفقري ) الشامخ برأس المخلوقات. أما فلسفيا فهو نحت سلبي من الكتلة الصماء للبناء، أو بقية باقية من الأجزاء المتضامة له،بما يضمن هندسيا رفع هامة السقف وترك فراغات المعيشة كغاية، عمارية بحد ذاتها.
وكلمة "عمود" قديمة في لغات الشرق القديم ،حيث ترد في اللغة الأكدية(العراقية العتيقه) بصيغة (عميدو Emedu) ومنها أشتقت (عمدو) ،ونجدها في الآرامية في الشام والعراق بصيغة (عموّدا Emmuda) وفي الفينيقية (عمد) والعربي الجنوبي(اليمن) بصيغة (عِمد). ويرد أسم هذا العنصر البنائي في العربية بصيغ متعددة منها (العمود Column) ومجموعها (عمد) الواردة في الذكر الحكيم في سورة الهمزة(فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ )، ويرد (أعمدة) أو حتى (عمدان) . ثم نجدة بصيغة (سارية وسواري) ،وكذلك (وتد وأوتاد) . ويرد بصيغة (سطن) ومجموعها (أساطين)، أو (دعامة) ومجموعها (دعائم) ، وترد في العمارة الإسلامية في الهند بصيغة (ركن Rukn ) أو (سطون (Sutun. وثمة تسمية (شاخص Astragal ) وتعني العمود الطويل الخالي من الزخرفة. و في العراق يرد أسم العمود بصيغة (دلك)، وكذلك(دنكه) ومجموعها (دلكات) أو (دنك) و يقول عنها(الشيخ جلال البغدادي) في موسوعة الألفاظ البغدادية أنها من مصدر فارسي، وتخص تحديدا البوائك (أعمدة الرواق) التي تحيط بفناء الدار. ويرد أسم (العمود الماردي) الذي يرتفع لأكثر من طابق بواجهات المبنى. وثمة عمود (مدغم (Colossal order وهو عمود ملتصق مستدير القطاع يزين أحيانا أركان الدعائم التي تحمل الأسقف ويكون ملتصقا بها.وهناك تسميات ترد من وحي العمود مثل (بهو الأعمدة Peristyle أو Hypostyle) ،ويعني المبنى الذي يستقر سقفه على أعمدة أو الفناء الذي تدور من حوله البوائك المحمولة على أعمدة.
والعمود في العمارة عنصر إنشائي (شاقولي vertical) أو عنصر قائم ، داعم لسقف أو جدار أو أسكفه - عتبه أو عقد ،ويراد منه نقل أحمال العناصر الأفقية في التسقيف بحسب الحلول العمارية إلى القواعد والأساسات التي تنقلها للأرض .وهكذا فهو وسيلة نقل العزوم الواردة من عناصر الهيكل الأفقية. والقصد منه الاستفادة من المساحات الحرة التي توظف كفضاءات عمارية. وبسبب اضطلاع العمود بمهمة نقل السقوف التي هي غاية في البناء بحد ذاتها، بما ولد هاجس و خشية من السقوط، أرّق الأحاسيس وأوجد حاجة أثمرت عن روح الإبتكار للبنائين. ربما يكون سببا كافيا بأن جعل المصريون القدماء يقاربون بين أعمدة معابدهم خشية عدم تحمل الجسور في البحور الفاصلة بين الأعمدة، كما هو الحال في معبد الكرنك.وبالنتيجة فقد قضمت ضخامة تلك الأعمدة وتقاربها المبالغ فيه،فسحة الفضاء المتاح للإستغلال الوظيفي.
واستعمل في تجسيد هذا العنصر الهيكلي ، خامات متعددة،بحسب توفرها في البيئات،فجاءت من خامات القصب والخشب وجذوع النخيل والآجر والحجر وأمست في الأزمنة المتأخرة من الحديد والمعادن أو من الخرسانة المسلحة التي شاعت ،ولم تجد لها منافس. وتعدى العمود الهيئة البنيوية الى الجمالية،كما هو ديدن الإبداع البشري،وأضفي عليه معالجات وتزويق وضبط للنسب الجمالية ،أو حتى معالجة بعض الخدع البصرية،كما هو الحال لدى اليونان،حينما أضفوا إنتفاخا في وسط العمود،كي يبدوا للناظر سويا عدلا،وليس منبعجا من وسطه،لو كان قد ترك على سجيته الحجمية. ومن الجدير ذكره أن هذا المبدأ في معالجة الخدع البصرية البنائية قد ورد اليونان من مصدر العمارة العراقية العتيقة،حيث ورد أول وأقدم مثال باق اليوم على ذلك في المعبد الابيض في تل خفاجي-منطقة ديالى،شمال شرق بغداد ،والذي يعود إلى نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد.
الأعمدة و تاريخ العمارة
تعددت أشكال الأعمدة بتعدد الطرز والعهود التاريخية ، واختلفت طرزه باختلاف الأقطار ثم الثقافات و الديانات والمعتقدات ، لكن من الثابت أنها بقيت مخلصة للتأثيرات الأولى المحاكية للأشكال الطبيعية حيث مكثت فيما تلى من إبداعات ،ولاسيما في حبكة العناصر الزخرفية والتيجان المميزة للطراز في كل مدرسة عمارية . ونرصد هنا أقدم إستعمال للأعمدة يرد في العمارتين العراقية ثم المصرية ، وقد كان للعمود السومري المتكون من حزمة القصب تاثير لاحق حتى على العمارة اليونانية ،حيث يورد بعض منظري العمارة بأن السواقي الطولانية أو الحنيات المقناة في الجذع Fluted ،وكذلك حلية الخلخال الناتئ المطوق للعمود أفقيا،ماهي إلا حذلقة جمالية وردت من محاكاة للأصل القصبي للعمود ،حينما تظهر تلك السواقي على ظاهر العمود المتكون من حزم القصب، والتي تشد بعقال قصبي كي لاتنفلت و الذي شكل الإيحاء الأول لهيئة الخلخال في العمود.
ثم ورد من العمارة السومرية والأكدية محاكاة لتك الأعمدة ولكن مصنوعة من خامة الطوب أو الآجر،بهيئات مربعة أو دائرية ،تصنع خصيصا لما يخدم عملية التناسج بين قطعها،ونجد خير الأمثلة في القاعة العراقية في متحف اللوفر المتكون من أربعة أعمدة ضخمة آجرية، حيث يتشكل العمود من أربعة أسطوانات دائرية متماسة تحصر بينها نجمة مربعة. ومن اللافت للنظر أن تلك الحشوة الوسطية قد ملئت بقطع من الآجر فصلت بما يناسب ذلك الشكل، وبنيت بالآجر تكامليا مع حبكة الآجر المكون لأبدان الأعمدة.
وفي هذا السياق نعتقد أن تلك الأشكال الأولى للأعمدة قد أنتقلت الى عمارات الدنيا، ونجد لها أحيانا محاكاة في طرز أخرى ،بقيت لردح من الزمان (قبل الحفريات) تشكل النماذج الريادية ،ونجد إقتباساتها في ألأعمدة المحيطة بأحواش(أتريوم) بيوت مدينة بومبي الرومانية التي دفنهتها حمم البركان في القرن الثالث قبل الميلاد كانت معمولة من آجر مشكل بطريقة مدورة، وهي محاكاة للأعمدة التي أستعملت في العمارة العراقية.
ومن الجدير ذكره هنا أن أعمدة القصب التي وردت لدى العراقيين القدماء ورثها سكان الأهوار في الجنوب العراقي (الشروقيون) اليوم، حيث أن عششهم (صرائفهم) تبنى بمنظومة أعمدة مكونه من حزم قصبية معصوبة، و يسمى لديهم (شبه)،تكور وتربط في سامقها ثم تشد بعناصر أفقية من حزم القصب تسمى (هطر) لكي تمنع حركتها الأفقية ثم تغطى بطبقات من الحصر العراقية (البواري) المشغولة من ظفر عيدان القصب المشظى. وهذه الطريقة حذلقة إنشائية مبكرة عن الأعمدة التقليدية . وقد أستوحت عمارة الهياكل الحديدية الحديثة هذا النوع من الحلول خلال مبنى (رواق المكائن Galarie de machine) المقام في باريس عام 1888 ، حينما جعلت الأعمدة الحديدية بشكل نصف قوس وربطت نهاياتها السائبة بشكل (مفصل articulate) وأمست بحورها حوالي 100متر.
وأعتمدت العمارة المصرية القديمة على إستعمال عنصر العمود المبني من الحجر،ويمكن أن يكون قد سبقتها خامات نباتية بقيت أشكالها في النحوتات التي أختصت بها التيجان أو أطناف المباني، مثل أشكال منحوته تحاكي جريد النخيل أو زهرة اللوتس أو زينة(خكر) التي هي عبارة عن رؤوس جذوع البردي التي كانت تربطها عصابات من أعلاها وأسفلها .وكانت توضع الأعمدة في صفوف داخل البيوت الكبيرة والمتوسطة،وقد وردت في بعض الرسوم التمثيلية،كما في رسوم تل العمارنه، التي مزج المصريون فيها بين تمثيل المسقط والمقطع أو الواجهة، التي تظهر شكل الأعمدة ومواضعها.والمسلات لدى المصريين هي نوع من الأعمدة الرمزية التي لاتوظف في البناء. وقد وردت بعض الأعمدة المصرية تخليدا لآلهتهم أو ملوكهم أو فرسانهم كالعمود الأوزوريسي والعمود ذو الفارس المعروف بالأطلنطي والعمود الهاتوري وغيرها